أسرار حاسّة الشمّ والروائح

الشمّ حاسة نُدرك بواسطتها الروائح التي تنبعث من المواد والأجسام. ويشرف على مراقبة الأطعمة ويساهم مع باقي الحواس على إرساء حميمية العلاقة بين الأم ووليدها. وهي وسيلة اتصال خفية بين الناس. ورادارنا الساهر حين ننام
يوم وقف الإنسان على قدميه وابتعد أنفه عن الأرض، تقلّص دور حاسة الشمّ في الإنذار  والدفاع لكنه تبلور أكثر في تقدير الروائح المحيطة بنا. والواقع أننا لا نتوقف عن استمزاج الروائح وتحليلها
كيف ينتج الإحساس بالروائح؟
 الروائح عبارة جزئيات كيميائية تتطاير في الهواء ، تدخل الأنف مع الشهيق، تذوب في مخاطه وتنبّه خلايا القسم الأعلى من الأنف. والتي لها آلاف الأهداب الدقيقة الدقيقة التي تسعى لالتقاط الروائح. وينتج الإحساس برائحة معينة عن العمليات الكيميائية بين الجزئيات الحاملة الحاملة للرائحة والخلايا الحواسية التي تتجدد باستمرار ، وتعمل في صورة منفردة أو مجتمعة. وعندما تصل إشارة رائحة إلى المنطقة الحسّاسة فيصار إلى إعلام مراكز الشعور القريبة. وما زال الغموض يحيط بالكثير من أليات التعّرف على الروائح والتمييز فيما بينها. لكننا نعلم أن هيئة الخلايا المختصة بالشمّ تتغير مع التجارب الشمّية، وأن الإحساس بالرائحة يقوى مع ازدياد كثافة الجزئيات المتطايرة في الهواء، وأننا نتأقلم على رائحة معينة بعد أن تتشبّع الأهداف الدقيقة وتتوقف عن ارسال الإشارات.

لنشتمّ عن قرب

النضوج المبكر
منذ ساعاته الأولى يُبدي الوليد حساسية عالية حيال الروائح. فحاسّة الشمّ جاهزة للعمل. وعندما نعرض عليه روائح مثل اليانسون أو الورد أو الخلّ أو بعض الأسماك، يتفاعل وتظهر على قسمات وجهه علامات انشراح أو امتعاض ويُبدّل من سرعة تنفسه. لكن تكرار التجربة واستعمال المثيرات ذاتها يُخفف من ردود فعله، لأن الطفل يتعوّد على الروائح. ويميل إلى ما أحبه منها وحفظه في ذاكرته البكر
تتميّز حاسّة الشمّ إذن بنضوج مبكر وقابلية على تعلّم تمييز الروائح. فخلال الإسبوع الأول من حياته، يتعرّف الوليد على رائحة أمه دون تردد أو خطأ. يعثر على حلمة ثديها عن طريق الشمّ. والأم بدورها تتعرّف على مولودها الحديث الولادة من رائحته وحدها. وتظهر المراقبة العينية كيف لا ينخدع الأطفال في التعرّف على الروائح الخاصة بإمهاتهم، وكيف يهدأ الوليد ويتوقف عن البكاء عندما يشعر برائحة أمه بعد غياب. هذه القدرات مستقلة عن الحاجة للطعام وهي تعطي لحاسّة الشمّ أبعاداً عاطفية بالغة الأهمية هي العلاقة الحميمية بين الأم ووليدها. رائحتها تساعده على النوم . وكان باحثون قد اقترحوا على بعض أمهات الأطفال المصابين بالارق أن يستعملوا محرمة أو أية قطعة قماش حملتها الأم يوماً أو يومين أو شرّبتها من حليب ثديها. ويستمر تعلّق الطفل برائحة أمه قوياً حتى سن الخمس سنوات. وتكون حاسّة الشمّ في أقوى حالاتها بين العشرين والأربعين، وهي تخفّ بعد الستين عاماً
ومن المعروف أن حاسّة الذوق تدلنا على الطعم السكري والمالح والحامض والمرّ. ونستشعر باقي المذاقات بفضل حاسّة الشمّ. فكثير من طعامنا يكون بلا طعم إذا تعطّل الشمّ  بسبب أمراض فيروسية كالرشح وأمراض الغدد والأعصاب او بسبب التدخين
وتتفوق النساء على الرجال في قدرتهن على تحسس الروائح. وتزيد حساسيتهن للروائح بين الشهر الثاني والشهر الرابع للحمل. وتكون رائحة أجسادهن في أقصاها وقت الإباضة

ولحاسّة الشمّ المقام الأول في الجاذبية الجنسية. ولجسدنا رائحة خاصة بنا كبصمتنا. وهي تتأثر بالعمر والجنس والعرق. وتنشأ رائحة الشخص المميزة من اختلاط روائح افرازات مناطق جسمه كثيفة الشعر مع روائح البكتيريا التي تتعايش معه. هذه الفرمونات تحدد قابلية واحدنا للآخر من الناحية الجنسية وتفسر انجذابنا الغامض نحو شخص بعينه.  ويفضل الكثيرون أن لا يتركوا رائحتهم على حالها وتراهم ينفقون الأموال الطائلة على التطيّب والعطور
وعمد الإنسان على ابتداع الروائح ومزجها، استعمل في سبيل ذلك الروائح الطبيعية للأزهار كالورد والياسمين والفانيليا… وأضاف مستحضرات كيمائية تدل على روائح الزنبق والسوسن والميموزا…وتم تصنيع عطور مدعّمة بالفرمونات بهدف تفعيل الإغراء الجنسي

نستشمّ مما ذُكر، أن أنفنا هو مختبر للروائح الحائمة حولنا وهو في أساس علاقتنا بالطغام والجنس. أن لحاسّة شمّنا البسيطة التنظيم، قدرات عظيمة وأسرار. تنضج باكراً وتقوى مع التدريب والتلقين حتى تصل قدرات ”الشمّام“ المدرب على تمييز أربعة آلاف رائحة مختلفة وقيل عشرة آلاف والله أعلم

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *