عمليات التجميل، حرب ضد الذات الطبيعية

أُفرغت مفاهيم الجمال من محتواها في مجتمعنا الراهن. وبات التركيز على مفاتن جسد المرأة أكثر من التركيز على شخصيتها وثقافتها. وخرجت الجراحات التجميلية عن أهدافها الأصلية في معالجة التشوهات الخلقية وإصابات الحروق وحوادث السير
ومع تقدم الاختراعات والتقنيات الطبية ازدهرت مراكز التجميل. وتنوع التدخل لترميم أعضاء الجسم المترهلة: حشو تجاعيد الجفون والوجه والبطن، إرجاع الأذنين البارزتين، ترميم شكل الأنف، تكبير أو تصغير الصدر وسحب الدهون الزائدة. وازداد الطلب على عمليات التجميل هذه ولم يعد حكراً على النساء بعد أن أقبل الرجال عليها والمراهقات اللواتي ترغبن التشبّه بالفنانات المشهورات. فتكاثرت التدخلات الجراحية وسط لا مبالاة كافية لما قد تتركه من آثار جسدية ونفسية سلبية

وإذا كان الإنسان قد تدخّل بأريحية عبر التاريخ في شكل جسده. وتلاعب على نحو عجيب بمقاساته الطبيعية. فإنه في عصرنا، يُعلن حرباً شعواء على الذات الطبيعية. فلننظر إلى مقدار ما يخضع إليه الجسم من تمارين مؤلمة، وريجيمات قاسية ومستحيلة، ومن عمليات تقويمية وجراحات جزئية تسحب، تحفّ،  تصقل، تقصّ أو تُضيف. كأننا ننصاع الى قولبة ارادية وتعذيب للجسد المسكين. ونجدنا أمام عملية تمثيل منظّمة تعيد برمجة الجسد وتبتدع له أشكالاً هندسية مرسومة سلفاً. يتم ذلك تلبيةً « لنظرة جمالية » تتصف بالوقاحة والشبق. يصيغها بعض تجار الجمال وفق صور يُعمل على توحيدها ونماذج تهدف فقط للغواية والإثارة الجنسية كأنهم يتبارون في إبراز أجسام مروّضة ومهتاجة
وبالنتيجة نجد أنفسنا أمام صدورٍ عامرة، ومؤخرات يُجرى حشوها، ووجوه متشابهة لا ملامح فيها ولا انطباعات. وتستكمل عمليات صقل الأجساد بصناعة التنكر عبر الماكياج ضمن استراتيجية واحدة هي استمالة وجذب الآخر. فتُختصر المرأة بصفتها عشيقة وموضوع رغبة ذكورية. فلا يعود لها جسم أمّ أو جسم شريك في الحياة

ونعلم أن الرجال ينجذبون في الأصل إلى الجمال الطبيعي للمرأة الخالي من إضافات. فجاذبية الأنثى عالمٌ لا يستطيع مبضع الجراح اخضاعه. لأن سؤال الجمال ينشأ من محاكاة ما هو في طبيعة الذات، أي ما هو كائنٌ فيها « كالجنّي الأنيس » على ما وصف هيغل. ويتوجب النظر إليه عبر زواياه التي لا تُحصى: شخصية المرأة، ذكاءها، ثقتها بنفسها، أناقتها، مشيّتها، ابتسامتها، لمحة الغنجٍ والدلال عندها. وأيضاً تلك الكيمياء الغامضة التي تأتي من الرائحة والصوت… 

هذه إذن دعوةُ لكي نمعن في التفكير قبل الإقدام على الجراحات ونقنع بما كُتب لنا أولاً، بعدها، ننظر لما يناسبنا من تصحيح اذا ما اقتضت الحاجة الحقيقية، أو لترميم لما أفسد الدهر. ولنتذكر أنه من العبث وضع مقياس عالمي واحد للجمال لأن ذلك حلمٌ أحمق

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *