التمسك بالأرض والجذور

ميثاق المواطنة هو الحل

المواطنة هي الحل

بانتظار حروب أو تسويات تأتي من الخارج، تستمر القوى المتحكمة بالعباد بلعبة أرقام الدولارات وبنهج افراغ المؤسسات. ما يهمّ هذه الزمرة هو بقاء نظام الفساد الطائفي ومنع المحاسبة الجدية وشدّ العصبيات المذهبية. ولكنها قوى تابعة مرهونة للخارج. فالتبعية تظهر للعيان عند حزب الله وعند بقايا تيار المستقبل والقوات اللبنانية،  لكنها تبعية مشلبنة عند جنبلاط وأمل والتيار العوني. ولست أنسى تبعيات موسمية عند وجهاء يلبسون ثوب المستقلين أو الثوار
 هناك تبعيات ومأجورين ولا أحد يرى خيانة. ولعل السبب يعود إلى ميوعة الوطنية اللبنانية الجامعة التي لا زالت قيد التأسيس. ولم تتفق القوى السياسية الطائفية يوماً على معنى واحد للبنان في محيطه. ولم تحصل سوى تسويات: الميثاق الوطني 1943، ولا غالب ولا مغلوب 1958، اتفاق القاهرة 1970، الطائف 1989، الدوحة 2007، تسوية 2017. وكانت كلها تسويات أدّت إلى تعميق أزمة النظام. فوصلنا اليوم إلى وضع مستعصي لا مجال لترميمه.والحال أننا وصلنا إلى الدولة الفاشلة ولا ينقص سوى اعلانها حين تُرسم الخرائط.

أن مشروع لبنان المواطن يتنافى مع ما يحصل في الإقليم من مشاريع منغلقة على هوياتها اليهودية والداعشية والشيعية الطقوسية. ولا مصلحة لإسرائيل بقيامة نظام مدني غير طائفي في أية بقعة حولها. وسوريا تعاني من نظامها السياسي ومن ويلات الحروب فيها والتي لم تنتهي بعد. بالإضافة إلى أن السياسات الأمريكية والسعودية والاسرائيلية والإيرانية لا تريد تحييد لبنان عن صراعات القوى المهيمنة في هذا الشرق العربي العظيم.

بالمقابل يطمح مشروع الدولة المدنية إلى توحيد المجموعات اللبنانية في بوتقة المواطنية. ولعله مشروعٌ لنوع جديد من ”الوطنية“  تعترف أنها قطرية بمعنى الانتماء إلى مجال جغرافي-تاريخي واحد من الشرق العربي. فتكون في لبنان، وطنية لبنانية حريصة على كينونتها وتاريخ مجتمعها الواحد المتعدد في انفتاحاته، وتبني الدولة المدنية العادلة والمجتمع على أسس انسانية نظيفة من المحسوبيات المذهبية. وقد تصوغ نموذجاً يؤهلها للعب أدوار في تحقيق العدالة للقضية الفلسطينية وللسلام 
ولا يستطيع لبنان أن يكون محايداً بسبب تكوينه. لكن تحييده ممكن إذا ما أرادت الدول النافذة ذلك، وسمحت به ”موازين القوى“. فقط نحن كلبنانيين، لنا مصلحة في الاستقرار والنأي بالنفس والتقاط الأنفاس، وبأن لا يكون لبنان ساحة حروب متناسلة. وهذه مصلحة يشاركنا بها السوريون والفلسطينيون الذين يقيمون في لبنان. وكلنا شعوب مهجّرة، في داخل بلدانها وخارجها، وفي غياهب الغربة والاغتراب 
فعلى قوى المجتمع الحية التي تقود المسيرة، أن  تملك توجهاً غير  طائفي وغير عنصري في التعاطي مع قضايا اللجوء والنزوح.  ولا تُخفى أحجام المسؤوليات والصعوبات في ظل واقع الساسة اللبنانيين. فالزمرة التي تتحكّم بالعباد والمسؤولة عمّا جرى، تخدم نفسها بإسم العصبيات القاتلة ولا ثقة بها. والقوى الإعتراضية تعيش نضالاتها في واقع من الانقسام والشرذمة. لكن عزيمة العمل المشترك لا زالت حيّة فيها وهي تُنضح برامج عمل ومشاريع للمستقبل بانتظار لحظة الأمل

وإذا الحكمة أَفتَت… أننا محكومون بالأمل، فالأمل اليوم، هو باستلهام تجارب ناجحة تحققت في مجتمعات يُحترم الإنسان فيها. وباعتقادي أن المواطنة قد تكون علاجاً أولياً للعنصرية الجاثمة على نفوسنا. أو أيضاً وقاية لكونها تسمح بالاحتكام إلى قانون مدني واحد وسَوس مصالح المواطنين وفق   قوانين واحدة ودستور