ورحت أبحث عن الأنا المتورّمة

سألتني امرأة لا أعرفها ونحن نخرج من مظاهرة دعم من أجل لبنان جديد : ماذا يمكنني أن أعمل لخدمة الوطن من فرنسا؟ لبست ثوب الخبير وسألتها بدوري عن عملها في الحياة، فهمت أن لديها مساهمات كثيرة في المعالجة النفسية. فقلت لها: تمام، ماذا لو أن مجموعةً من أمثالك قررت دراسة ظاهرة الأنا المتورّمة الشائعة في بلدنا، بحيث نتجاوز الأبحاث الفردية المكررة فنجد ما يفيد لكي نعالج هذا المرض الاجتماعي المتفشي
بانتظار مبادرات من هذا القبيل، رحت أبحث عن الأنا لدى غوغل العظيم. فالمتعارف عليه، أن الأنا لها أصلٌ يتعلّق بحبّ التملّك والاستئثار، وهو أمر من طبيعة الانسان ، يتشذّب عبر مسيرة طويلة

تودي إلى توازن الدوافع الغريزية الأولية مع الأخلاق والضوابط الاجتماعية. فالأساس في التربية هو فَهم أننا لا نستطيع الحصول على ما نريد، في أي وقت
تورّم الأنا هو تعبير عن اضطراب في الشخصية يتجلّى بتمركّز الفرد على ذاته، والحكم على الامور من زاوية أولوية المصلحة الخاصة زذلك دون اكتراث لمشاعر الآخرين. والمهووس بأوهام العظمة هو انسان نرجسي يشعر بنقص تقدير الآخرين له، مغرور، متعالي ويتصرف بمبالغة وعنجهية. عاشق لنفسه، يدقق باختيار ملابسه ليُعجب الآخرين، وهو انسان لا يريد سماع سوى كلام المديح، وقد يكون استغلالي ووصولي
أسباب اختلال الواقعية عند هذا « العظيم » تعود إلى اختلال نظام الثواب والعقاب في تربيته، وغياب المثال الصالح، وإلى إهمال الآخرين الذي يدفعه للإهتمام بنفسه فقط، وأيضاً إلى التدليل الزائد، بأن يحصل الطفل على ما يريد بسهولة، والغيرة، والإكتئاب، ووجود المثال السيئ من حوله
العلاج الرئيسي لمسلكية الأناني هو تعليمه على العطاء وعلى التعاطف مع الآخرين، عن طريقة « وضع أنفسنا في مكانهم ». وهو أن لا نتسامح مع أفعال الأنانية بأن نحاسب، على سبيل المثال، الطفل الذي يسرق لعبة غيره (قبل أن يسرق مالنا). أن نقتص منه بحزم، وإلا سيعتبر العقاب مسألة غير جدية. وأن نعلمه الشعور بألآم الآخرين وأن نكافئ الأعمال التي تخلوا من الأنانية ونبرز أثرها الطيب
قد نفهم أسباب المرض وكيفية معالجة المريض الفرد، لكن ماذا إذا أصاب مرض تورّم الأنا المجتمع؟ وجماعاتنا اللبنانية عبارة عن كيانات نرجسية تتمسك بعصبيتها ونعرتها الطائفية، والزعماء الذين يلتحفون الطائفية نرجسيون لا يهتمّون إلّا بمصالحهم الخاصة. فكم هي عظيمةٌ حاجتنا إلى تطوير المعرفة بعلم نفس مجتمعنا. والحال أن الفرد مهووسُ بأناه والمجتمع بلا مربى، والمطلوب تربية جديدة عبر محاسبة حازمة وعقاب شديد