نحو عقد سياسي/اجتماعي جديد

نُشر هذا النص في 28 آب 2016 في النهار

قبل أن يصير وطني سراباً أقول بلغة هادئة بعيدة عن العصبيات السائدة، وبصفتي الإنسانية كمواطن حرّ مقيم ومغترب معاً، أني سئمت من مسميات فقدت معانيها الإيجابية على أرض الممارسة، مثل «الديموقراطية التوافقية» و« التشاركية الميثاقية»… وشَبعت مع سائر اللبنانيين من الشعارات والمعزوفات الخطابية بعد سيلان الوعود التي رافقت الإنتخابات النيابية وأودت بصدقية منّ يُطلقها
وأعرف كأقراني… أن الوطن اللبناني يقع في منطقة تماس للصراعات الإقليمية. وأن « الوطنية » فيه خضعت الى تلاعب خبيث أبقى بنيته الطائفية محروسة من قبل زعماء يهمهم فقط تخليد سيطرتهم. ونشاهد بأم العين صراعات المذاهب داخل مجتمعنا، وقد باتت تطال أبناء المذهب الواحد. ونلامس آثار الحريق السوري على جسم لبنان المريض الذي يعاني تخمةً من الأحوال المزرية. ونعرف أيضاً، أن الحروب التي تناسلت على مدى عقود، والسياسات التي أُعتمدت قد أنتجت أزمات اقتصادية وأمراض اجتماعية دفعت أبناء الوطن الى الهجرة. ولم تنجح الطبقة السياسية في اجتراح صيغة للحكم تتناسب مع الواقع الحقيقي لقدرات اللبنانيين المقيمين منهم  والمغتربين

واليوم أمام الوضع كارثي في كل المجالات، لا بد من اجتراح الحلول المستعجلة. فنحن في حاجة الى حوار وطني جامع يهدف الى تغيير جذري وفق برنامج زمني واضح. أين منّا ذلك، ولم تنكسر بعد المراوحة في تشكيل الحكومة، وصرنا نبحث بالسراج والفتيلة عن أسباب عدم التأليف، وهي معروفة تتأرجح بين تكالب على « الحصص » والفيتويات الإقليمية. أين التغنّي بالوطنية اللبنانية والقرار المستقل عند المسؤولين؟ كيف نجبرهم ترك مصالحهم الفئوية لصالح الدولة الواحدة؟ فالمنعطفات السياسية تفرض استثنائية في التعاطي. تجاه هذا الإستعصاء، تبدو أهميّة الإتفاق على
سقف وطني يتسع للجميع. ما هو؟ ومن أين نبدأ؟ 

يفترض السقف الوطني المنشود اتفاقاً على دور مستقبلي للبنان وعلى صيغة جديدة للحكم. من المنطقي الإنطلاق من روحية الدستور المنبثق عن اتفاق الطائف. أقول روحية الدستور كون آليات تطبيق الطائف أكلها الزمن على وقع اختلافات الطبقة السياسية. ولا بديل عن حوار وطني جامع يختلف عن حوارات سابقة لم تنتج سوى إعادة تأهيل للنظام الطائفي. والبدء بتشكيل حكومة إنقاذ، يكون شعارها بناء دولة الحماية والمواطنة والمساواة أمام القانون، وتعلن مباشرة تأسيس عقد اجتماعي/سياسي جديد بين اللبنانيين. وتعتبر نفسها سيّدة قرارها السياسي الحر والمستقل عن المحاور الإقليمية، بالإستناد الى اقرار مكوناتها السياسية الإلتزام أولوية حماية لبنان فقط. والحماية يضمنها جيش قوي تكون قوى المقاومة الشعبية بحكم الضرورة في كنفه، لكي يتمكن من الدفاع عن كامل الحدود البريّة والبحرية والجوية من الغزوات والإعتداءات. ولا بد من تفصيل هذه النقطة باعتبارها خلافية. فباعتقادي أن حصر الدور العسكري لحزب الله في إطار ردع أطماع اسرائيل في لبنان، مسألة في صلب قناعة مقاتليه العميقة. وأن قيادة السيد حسن نصرالله له ليست تابعة لأهواء ايرانية تخرج عن المصلحة اللبنانية. ألم يحترم منذ صدوره القرار 1701؟  والمطلوب بالأصل هو ضمانات من الآخرين. وأضيف، إذا كان من المعروف أن أميركا واسرائيل تريدان إبعاد ايران عن أي دور في القضية الفلسطينية. أسأل أين الدور العسكري لإيران اليوم؟ بعد إتفاقات الحدود السورية مع فلسطين المحتلة التي ترعاها روسيا؟
إن مشروع عقد اجتماعي\سياسي تحرّري له أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية ترسم افقاً لعلاقة لبنان بمحيطه العربي تقوم على الدفاع عن إستقلاليته وإستقلاله. وتمتلك توجهاً غير طائفي وغير عنصري في تعاطيها مع قضايا النزوح. هكذا مشروع يعبّر عن مواطنية لبنانية عربية حديثة ومنفتحة على العالم، تقوم على المصالح الإقتصادية وعلى التعامل الندي مع الأصدقاء والغرباء       

مأسسة الحوار الوطني وديمومته 
من أجل ان يكون الحوار الوطني داخل المؤسسات الدستورية وليس على هامشها، أقترح اتفاقاً بين الرؤساء الثلاثة على مأسسة الحوار الوطني. فيُصار مثلاً الى تكليف « وزراء دولة » لا تُسند اليهم حقائب وزارية، إدارة الحوار ويشكلون « هيئة دائمة للحوار الوطني » تعمل داخل مجلس الوزراء. ولهذا القاعدة فوائد. فهي تُبقي الحوار داخل المؤسسات ليصبّ مفاعيله فيها. ووتسمح لمجلس الوزراء بالسير على مسارين منفصلين متكاملين وباستمرارية أفضل للعمل الخدماتي عبر وضعه خارج التعطيل عند احتدام الخلافات السياسية. ومن الضروري لتعزيز التمثيل الشعبي، ان تحرص هيئة الحوار الحكومية على توسيع قاعدة المتحاورين المحتملين لتشمل الطاقات التي تعمل في الشأن العام

وفي الختام، يبدو لنا واقع الأمر مغايراً لكل ما ذُكر. فهل يبقى هذا الكلام كالصراخ في الوادي. هل يبقى فقط تعبيراً عن خسارة جيلي لبراءة أحلامه

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *